سورة الشورى - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


المعنى: {شرع لكم} وبين من المعتقدات والتوحيد {ما وصى به نوحاً} قبل.
وقوله: {والذي} عطف على {ما}، وكذلك ما ذكر بعد من إقامة الدين مشروع اتفقت النبوات فيه، وذلك في المعتقدات أو في جملة أمرها من أن كل نبوة فإنما مضمنها معتقدات وأحكام، فيجيء المعنى على هذا: شرع لكم شرعة هي كشرعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام في أنها ذات المعتقدات المشهورة التي هي في كل نبوءة وذات أحكام كما كانت تلك كلها، وعلى هذا يتخرج ما حكاه الطبري عن قتادة قال: {ما وصى به نوحاً} يريد الحلال والحرام، وعليه روي أن نوحاً أول من أتى بتحريم البنات والأمهات. وأما الأحكام بانفرادها فهي في الشرائع مختلفة، وهي المراد في قوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} [المائدة: 48]
و {أن} في قوله: {أن أقيموا} يجوز أن تكون في موضع نصب بدلاً من {ما}، ويجوز في موضع خفض بدلاً من الضمير في {به}، وفي موضع رفع على خبر ابتداء تقديره: ذلك أن، و{أن} تكون مفسرة بمعنى: أي، لا موضع لها من الإعراب، وإقامة الدين هو توحيد الله تعالى ورفض سواه.
وقوله: {ولا تفرقوا} نهي عن المهلك من تفرق الأنحاء والمذاهب، والخير كله في الإلفة واجتماع الكلمة. ثم أخبر تعالى نبيه بصعوبة موقع هذه الدعوة إلى إقامة الدين على المشركين بالله العابدين الأصنام. قال قتادة: كبّرت عليهم: لا إله إلا الله، وأبى الله إلا نصرها، ثم سلاه عنهم بقوله: {الله يجتبي} أي يختار ويصطفي، قاله مجاهد وغيره: و: {ينيب} معناه يرجع عن الكفر ويحرص على الخير ويطلبه.
وقوله: {ولا تتفرقوا} عبارة يجمع خطابها كفار العرب واليهود والنصارى وكل مدعو إلى الإسلام، فلذلك حسن أن يقال: ما تفرقوا، يعني بذلك أوائل اليهود والنصارى. والعلم الذي جاءهم: هو ما كان حصل في نفوسهم من علم كتب الله تعالى فبغى بعضهم على بعض، أداهم ذلك إلى اختلاف الرأي وافتراق الكلمة والكلمة السابقة: قال المفسرون: هي حتمه تعالى القضاء بأن مجازاتهم إنما تقع في الآخرة، فلولا ذلك لفصل بينهم في الدنيا وغلب المحق على المبطل.
وقوله تعالى: {وإن الذين أورثوا الكتاب} إشارة إلى معاصري محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى، وقيل هي إشارة إلى العرب. و{الكتاب}: هو القرآن. والضمير في قوله: {لفي شك} يحتمل أن يعود على {الكتاب}، أو على محمد، أو على الأجل المسمى، أي في شك من البعث على قول من رأى الإشارة إلى العرب، ووصف الشك ب {مريب} مبالغة فيه.


اللام في قوله: {فلذلك} قالت فرقة: هي بمنزلة إلى، كما قال تعالى: {بأن ربك أوحى لها} [الزلزلة: 5] أي إليها، كأنه قال: فإلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد {فادع}، وقالت فرقة: بل هي بمعنى من أجل كأنه قال: فمن أجل أن الأمر كذا ولكونه كذا {فادع} أنت إلى ربك وبلغ ما أرسلت به. وخوطب عليه السلام بأمر الاستقامة، وقد كان مستقيماً، بمعنى: دم على استقامتك، وهكذا الشأن في كل مأمور بشيء هو متلبس به إنما معناه الدوام، وهذه الآية ونحوها كانت نصب عين النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت شديدة الموقع من نفسه، أعني قوله تعالى: {فاستقم كما أمرت} [هود: 112] لأنها جملة تحتها جميع الطاعات وتكاليف النبوءة، وفي هذا المعنى قال عليه السلام: «شيبتني هود وأخواتها»، فقيل له: لم ذلك؟ فقال: لأن فيها {فاستقم كما أمرت} [هود: 112] وهذا الخطاب له عليه السلام بحسب قوته في أمر الله تعالى وقال هو لأمته بحسب ضعفهم استقيموا.
وقوله تعالى: {ولا تتبع أهواءهم} يعني قريشاً فيما كانوا يهوونه من أن يعظم آلهتهم وغير ذلك، ثم أمره تعالى أن يؤمن بالكتب المنزلة قبله من عند الله، وهو أمر يعم سائر أمته.
وقوله تعالى: {وأمرت لأعدل بينكم} قالت فرقة: اللام في {لأعدل} بمعنى: أن، التقدير: بأن أعدل بينكم. وقالت فرقة المعنى: وأمرت بما أمرت به من التبليغ والشرع لكي أعدل بينكم، فحذف من الكلام ما يدل الظاهر عليه.
وقوله: {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} إلى آخر الآية منسوخ ما فيه من موادعة بآية السيف.
وقوله: {لا حجة بيننا وبينكم} أي لا جدال ولا مناظرة، قد وضح الحق وأنتم تعاندون، وفي قوله تعالى: {الله يجمع بيننا} وعيد.
وقوله: {والذين يحاجون في الله} قال ابن عباس ومجاهد إنها نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإسلام وإضلالهم ومجادلتهم بأن قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فديننا أفضل، فنزلت الآية في ذلك، وقيل بل نزلت في قريش لأنها كانت أبداً تحاول هذا المعنى وتطمع في رد الجاهلية و: {يحاجون في الله} معناه في توحيد الله، أي يحاجون فيه بالإبطال والإلحاد وما أشبه، والضمير في: {له} يحتمل أن يعود على {الله} تعالى، أي بعد ما دخل في دينه، ويحتمل أن يعود على الدين والشرع، ويحتمل أن يعود على محمد عليه السلام. و: {داحضة} معناه: زاهقة. والدحض: الزلق، وباقي الآية بيّن.


لما أنحى القول على الذين يحاجون في توحيد الله ويرومون إطفاء نوره، صدع في هذه الآية بصفة من أنزل الكتاب الهادي للناس. و: {الكتاب} هنا اسم جنس يعم جميع الكتب المنزلة.
وقوله: {بالحق} يحتمل أن يكون المعنى بأن كان ذلك حقاً واجباً للمصلحة والهدى، ويحتمل أن يكون المعنى مضمناً الحق، أي بالحق في أحكامه وأوامره. و{الميزان} هنا العدل، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والناس. وحكى الثعلبي عن مجاهد أنه قال: هو هنا الميزان الذي بأيدي الناس.
قال القاضي أبو محمد: ولا شك أنه داخل في العدل وجزء منه وكل شيء من الأمور، فالعدل فيه إنما هو بوزن وتقدير مستقيم، فيحتاج في الأجرام إلى آلة، وهي العمود والكفتان التي بأيدي البشر، ويحتاج في المعاني إلى هيئات في النفوس وفهوم توازن بين الأشياء.
وقوله: {وما يدريك، لعل الساعة قريب} وعيد للمشركين، أي فانظر في أي غورهم وجاء لفظ: {قريب} مذكراً من حيث تأنيث الساعة غير حقيقي، وإذ هي بمعنى الوقت.
ثم وصف تعالى حال الجهلة الكاذبين بها، فهم لذلك يستعجلون بها، أي يطلبون تعجيلها ليبين العجز ممن يحققها، فالمصدق بها مشفق خائف، والمكذب مستعجل مقيم لحجته على تكذيبه بذلك المستعجل به. ثم استفتح الإخبار عن الممارين في الساعة بأنهم في ضلال قد بعد بهم، فرجوعهم عنه صعب متعذر، وفي هذا الاستفتاح مبالغة وتأكيد وتهيئة لنفس السامع، ثم رجى تبارك وتعالى عباده بقوله: {الله لطيف بعباده}، و: {لطيف} هنا بمعنى: رفيق متحف، والعباد هنا: المؤمنون ومن سبق له الخلود في الجنة، وذلك أن الأعمال بخواتمها، ولا لطف إلا ما آل إلى الرحمة، وأما الإنعام على الكافرين في الدنيا فليس بلطف بهم، بل هو إملاء واستدراج. وقال الجنيد: لطف بأوليائه حتى عرفوه ولو لطف بالكفار لما جحدوه، وقيل: {لطيف} معناه في أن نشر عنهم المناقب، وستر عليهم المثالب. وقيل هو الذي لا يخاف إلا عدله، ولا يرجى إلا فضله.
وقوله: {من كان يريد} معناه: إرادة مستعد عامل عارف، لا إرادة متمن لم يدر نفسه. والحرث في هذه الآية: عبارة عن السعي والتكسب والإعداد.
ولما كان حرث الأرض أصلاً من أصول المكاسب استعير لكل متكسب، ومنه قول ابن عمر: احرث لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.
وقوله تعالى: {نزد في حرثه} وعد منتجز.
وقوله في: {حرث الدنيا نؤته منها} معناه: ما شئنا ولمن شئنا، فرب ممتحن مضيق عليه حريص على حرث الدنيا مريد له لا يحس بغيره، نعوذ بالله من ذلك، وهذا الذي لا يعقل غير الدنيا هو الذي نفى أن يكون له نصيب في الآخرة.
وقرأ سلام: {نؤتهُ} برفع الهاء وهي لغة لأهل الحجاز، ومثله قراءتهم: {فخسفنا به وبداره الأرض} [القصص: 81] برفع الهاء فيهما.

1 | 2 | 3 | 4 | 5